8 يوليو 2008

فقدٌ ورَوح


" في غياب الشّمس تعلّم أن تنضج في الجليد "

هنري ميشو

...........

- لم يكن صحيحا من قال أن الكره عكس الحب ، بل هما احتمالين لنفس السؤال ، اتجاهين قد تصيب أحدهما لكن لا يعني تضادهما فهما شعورين من زاوية ما خرجا ليصنعا زاويةً منفرجة لا تتقابل ولا تتوازى ولا تخرج إحداهما من الأخرى ، لأنه سيتطلب إعادة السؤال وحينها ستكون بدايةً أخرى لشيء آخر أو قد تكون الانحراف من أحدهم للأخرهي محاولة فقط لعدم المصارحة باليقين التي تتوحد به النفس فهما يتشابهان في الاهتمام .. لذلك فتوازي الحب هو عدم الاهتمام ..
وكم هو مؤلم بقدر عدميته -

تذكرتها وهي جالسة تستشعره وتستشعرهم في روحانيات المكان تعلم أنهم بعيدون جميعا لن تسمح بأن تراهم مجددا .. من أخر مرةٍ بعيدةٍ قررت ذلك لن تسمح بلقاءٍ آخر إلا لو راودت الصدف خطوها على الخيانة .

كم تحتاجها مقولة مستغانمي في ( يجب على الأماكن أن تغير أسماءها, كي تطابق ما أصبحنا عليه بعدها, ولا تستفزنا بالذاكرة المضادّة )

تذكرها تلك الأيام المصاحبة كيف كانت سابقا ، فتكرهها تلك اللحظة ... لحظة التذكر والمقارنة حينما تنقر في وجهها أسماءً لم تعد في ذروة الفقد غير طيف ، وتقدح لهيبها في صدرها وحده ، عارجة بها في كل منحنيات الخواء .. مفعمة بالوَحشة وابتهالات المحاسبة ..

- متى قرر كل هؤلاء أني لا أصلح على خطٍ واحدٍ في سطورهم نمارس صلاة التنفس معا ؟!

- متى أقولها عيان ... لا أهتم

تتساءل لم لا تكون كالآخريين معها في نوتة معارفهم

مثل الملف الخاص بك تماما حين امتلائه ستقرر إعادة النظر فيه ومسح مالا تريده وتستطيع الاستغناء عنه وإيقاء ما تحتاجه بشدة وتعيد ترتيبه وتنقيته بما يتناسب مع مكانته لديك ، الشيء الوحيد الذي ستغفله الملفات التي نسيتها لفرط عدميتها لديك فوجودها كعدمه فافتقدتها ذاكرتك وفقدت هي مُسماها في دفاترك ، تواصل الانكماش من فرط تجاهلها

كنوتة المعارف لديهم بالظبط تحوي الاستثناءات ..

...

تسير هذه الأيام متحدية شرنقة الحياة حول عنقها ، وابقائها على تنفسها ولو مغمورا بالتثاقل والتعب ، صدئا كقاطني الكهوف المظلمة لم يعد فيهم بريق الخارج ...
ليس انتحارا أو رغبة فيه ، هي لا تملك تلك الجراءة التي ترميها في شهوته ، بل هي لامبالاة باردة تتسلل أوردتها منذ أن تمرغت في الوجع وقبلت المساومة بالخسارة .

تقول هي " انتي بتعدي الشوارع بلامبلاة ، وبتقابلي موتك بترحاب ... هتموتيني "

وتقول أخرى " بتسكتي كتير اليومين دول "

ورسالة من أخر لم تكن تنتظرها " مابيسألش عليا أبدا "

وأخرى على محمولها مجهولةً من عَالمٍ لا تعلمه .. وحدها من أرادت أن تعرف مِن مَن؟ ، لفرط تشابهها بتحيةٍ أرسلتها من زمنٍ ، لكم انتظرتها .. ظنتها تعطلت في حنجرة الأيام مبقية إياها على شفاه الأمل تمتص الصبر ولكن تخاف أن يخطئها الظن كعادته .. فلم تبحث

تشيعهم بابتسامة وتسكت لا يعلمون أن ما أمامهم جسدٌ خراب ، تخللته العتمة بخفوتٍ خبيث ، أمسكت خلسة بأطراف انطلاقه وخمدته بطرقعةٍ مفاجئة ، ولم تمهله .. أتبعته بمداهماتٍ متتالية من ركلات الفشل واليأس ، طابعةً على فمه قبلةً مغتصبة كل الحياة وأودعته كل الفقد والنفور ، ملقيةً إياه خائرالقوى .. مثقلا بكدمات الاهانة .. تفوح من عينيه احتراقات الدموع التي لم تجد مخرجا بين الجروح المكتومة .. فاتحة مدى النزف داخله وحده ،

لم يعد هناك مساحة للصراخ ... هو الصمت الفاجعة

لم تعد نفسها البنت التضحك بصدق
هم فقط لا يعلمون .. كم هي فعلا مُتعبة

....

الولد الذي كان يسير جانبها تُعاتبها عينيه أنها بعيدة … يُفرك أصابعها لينفض رائحة الثلج من ضحكاتها ويواجهها بهديةٍ وَعدَها بها ..

يُخجلها بإحساس الذنب وتقابله ببسمةٍ ضعيفة

- لم يكن هناك داعي

- انا عايز كده

- شكراً

يشعر بالبرد أكثر … فيهرب بعينيه بعيدا

- التكييف عالي

تستغرب !

- مافيش تكييف شغال ديه مراوح

يسكت ويديه تضغط بجرحٍ على الآسى وقبل أن تؤنبها سَكْينةٌ أخرى من الذنب تُفاجئه ..

- أنا رخمه أوي النهارده .. صح ؟!


- لا متقوليش كده أنا بس حزين عشانك


تنظر له وقبل أن تنزل من القطار وتودعه تطلب منه أن يسامحها ..

- لمَ ؟!

- لأني بعيد حساباتي وبحاول أسدد حقوق الآخرين اللي أقدر عليها


يحاول أن يمسك طرف الخيط المقطوع بينهما ويتحدى برودها بدفء اقتراب فيفشل بـ

- ايه انتي ناوية ع النهاية

- يمكن قَرَبِت الله أعلم

تزيد طرقعة الألم بأصابعه

- لا لسه بدري

رغم أنه أراد أن يقول " بعد الشر " ، لكنها تجمدت قبل وصولها لحضنها البارد اتجاهه ، وينطلق القطار مغلقا أمامه حوارا أخر من الثلج …

مفيقةً إياه أنه في الصيف ..

….


تسمع صوتا طالما أحببت رائحة الفقد والرحيل في لكنته

تحب القطارات …

وهي القطارات تتمتع بغموض الفراغات المخبئة بين تفاصيل الثواني والدقائق والساعات الراحلة ، توقع راكبيها في استفسارات الصدف وعدمية الإجابات ... هي فقط هنا تنتظر لحظة التعثر، كقصر وقوفها في محطةٍ ما تمنح الآخرين لقاءاتٍ أقل وتباعداتٍ أكثر وتعاقبهم بالوقوع في رغبات الفضول والدهشة


هي بداية الرحيل واللا نهاية منه ، هي الشروق على تنفسٍ عابر بين ذرات الحياة توقع غافليها في القدر .. دون أن تدركهم بموعد الغروب ، مع القطارات كالحياة هناك غروب مؤلم على الأرواح


تُرى لِمَ لم يجمعها إيمانها به هناك إذن ، ورغم ذلك يحدث كل هذا دون قطار؟


قد تكون مستغانمي صادقة هو ( رجل الإقلاع .. حتمًا
.

ريثما يأتي .

هو سيد الوقت ليلاُ. سيد المستحيلات. والهاتف العابر للقارّات. والحزن العابر للأمسيات. والانبهار الدائم بليل أوّل(

هو ( رجل غريب الأطوار ، لا يعرف كيف يتدبر أمر حب )

لم تركب معه قطارا قط في المرات التي كان يوصلها لم يكن يركب .. يقف عند منزل المحطة ويودعها ... أكان يختصر محطات الالتقاء والوداع فوق سحابةٍ من الغموض ليقتصر المسافة بينهما على التقاءاتٍ تبدو لها قصيرة ووداعاتٍ أقل .. من هامشيتها لم تتم ،

وأخر مرةٍ بعيدةٍ قبل ابتعادٍ مموهٍ لم يُهمه عدم سلامها ، تركها تذهب ملتحفةً بوشاح الخيبة ... تنفلت منها نورانيات بنتا تحيا بخبزٍ من الطفولة .. تُعبئها الحياة بعبق الموسيقى واختلاسات الشهد ، لتسكنها التهابات الكسر والمناجاة ... وحيدة ترتجف أصابعها بالتذكر فتقاوم حلوى رؤيته بحبةٍ من الغضب ، وتسكت ..

يؤلمها رنين محمولها ...

" جاي هدية حبيبك على جنح الطير .. باعتلك نسمة تجيبك بعجقة هالسير .. باعتلك نسمة تشيلك فوق هالطرقات "

حيث كانت تنتظر فقط أن ينسى غفلته وصمته ويلحق بها .. جاذبا يدها الواهنة واضعا شريطةً من أي عهدٍ وأنه لم ولن ينساها أبدا ، كما هي .. كما كانت .. كما لم يرى أحدا مثلها ... يرغبها بجانبه .

....


تدندن ..

" عاجقة سير وسيارات وصوت سكربينات "

تمسك بشجرةٍ ثم تدور .. تُكمل نصف دورةٍ وتفيق ، هي مازالت بشوارع الفقد وحدها .. النيل لن يحتمل رقصةً يتيمةً اليوم

اليوم صيف ، ولا شفاعةٌ بغير مطر ..

تسير ، تسير ، تسير .. كثيرا دون هوية ، تتقمص روحانيات روايةً تملؤها بفوضى الحواس ، عرفت منذ قرائتها مدى تشابهها بكاتبة تؤمن بالصدف تقول ( أليست حياتنا في النهاية إلا نتيجة مصادفات )

تركل العقل جانبا ، تتجاهل إشارات القلب بالارهاق وتسير بإيمانها ... وكإقتران روحها بكَ تذهب لمقاهي لم تذهب إليها تخالف طرقها في العودة والترحال ، تمشي في شوارع لم تراها أو تذكرها حينما يسألونها عنها ، تباغت العقلانية بكاساتٍ من التهور وقهوة من الانتظار

دون هدف ... غير أن تستدل على رجلٍ

قد أو لا تعرفه

....

هناك أماكن صاخبة منفرة لسكينة الأرواح ، وهناك أخرى باردة .. مباغتة لما تبحث عنه الأرواح من دفءٍ .. فيصعب عليها استحضار روحها بما ومن ترغبه ..

لكن اليوم هي فقط روحٌ غاضبة .. تأبى أن تتواصل مع إهانة احتياجها ، لم تستطع رغم وحشتها أن تُثنيها عن ثورتها ، لم تحتمل أخر جرحا خدشته بها .. مليئةٌ بالنقمة ، وهي الأرواح حينما يعميها الغضب تفقدنا وسائل اتصالنا بالاشياء والأخرين وتعطل ذبذباتها

يُثيرها تعارض كبريائها مع رغباتها في السفر والتجسد بالمسكونين بنفوسنا .. بالهلع ، فتفقد كل ألوان التريث .. تثور .. تصرخ .. تكسر كل ما كانت تتقنه من استدعاءاتٍ ، كل هذا داخلنا وحدنا .. بصمتٍ تخربش أحشائنا بقوة وتحفر ثقوبا تمتصها منا ... وتتركنا كخواءٍ دون هوية .. يزفر كل أنواع التعب .. يُطبق عليه الوهن ، فيهوى في براثن الغربة والتيه ..

تسمع سيمفونية لشومان من جهاز الكمبيوتر ترتل الوجع مع وردة من البنفسج تنحني على مكتبها ..

تريد أن ترقص معهم كي لا تبكي الآن ولا تقدر

تجر رجليها إلى الحمام .. عارية من الحياة ، تغطس وجعها في ماءِ الورد ، تنام فاردةً ضعفها على فراشه ، تستنشق رائحة الشامبو بالخوخ ، اي شئ .. أي شيء غير إحساسها بالغربة وخسارتها لأخر ما كان يوصل رسائلها لكل التي لم تعد تراهم ..

تُغمض عينيها الناعسة .. متسلقةً تضاريس الغياب ، وتُقبّل أخر نظرةً تذكرها .. وتسكن ..

..... " ماذا كان يضريك لو احتضنتني "

..........



هناك 6 تعليقات:

  1. نهى و الاجرام

    الاجرام ونهى


    اجرام الحرف طبعا :)


    ..مممممم انا دوخت

    بجد بجد

    حاله عجيبه دخلتينى فيها
    البوست ده حكاااايه


    يا ست شمس..قولى لعفاريتك الرحمه حلوة
    الرحمه من السماء









    بحبك يا سمشى...و وحشتينى :))

    ردحذف
  2. نهى

    قدرتك على الكتابة والتعبير ليست بجديدة عليك, الجديد فقط هو ان حزنك اثار شجنى للغاية

    ربنا يسامحك يا نهى
    تحياتى .. حازم

    ردحذف
  3. موش مصدق نفسي أخيرا قريت بوست كامل ليكي
    ----
    أحمدك يارب
    انتي فظيعه ف التعبير بس ملفوفه بغموض غريب
    تحياي ويارب تكوني بخير والفقد والغياب والوجع مايطولوش
    سلااام

    ردحذف
  4. سارة ربيع

    احم اجرام
    مقبولة منك ياقمر

    وهلم عفاريتي خالص هههههه

    وشوحاني اكتر جدا بافترا

    ....

    حازم

    امممم
    ويسامح الكل
    بس الكتابة لا تعني بالضرورة أنها احنا

    لكن قد نتفق معها في الحزن ، واعتقد ده جزء نلون بيه أنفسنا لنكون اكثر إنسانية

    تحية لمرورك دوما

    ....

    s@g

    مش فاهمه تعليقك بيعني ايه بوست كامل ليا ؟؟!!

    المهم اسعدني مرورك الاول جدا
    وربنا يبعد عن الجميع كل الوجع
    وأنا بخير الحمد الله
    تحية

    ....

    ردحذف
  5. أؤيد سارة ربيع
    فعلا..اجرام

    ردحذف
  6. كاميليا

    كيفك ياجميلة
    منوراني كتير بجد :)

    ردحذف